كتاب في الطب السردي | رحلة البحث عن المعنى


pink balloon tied on white wooden chair

هي رحلة تجعل الغمامة التي تغشي النظر تنقشع وتختفي، بعيدا عن رحلة الجري المتواصل بين ثنايا الحياة، رحلة السعي نحو الأفضل، نحو الشهادات والنجاحات المهنية، ببساطة هي رحلة البحث عن المعنى.

هكذا عنونت د.نور البار كتابها، هي رحلة لم تحاكينا فيها نور كما قد يهيء لنا عند الصفحات الأولى، أنها سيرة طبيبة تصاب بالسرطان وهي حامل، بل هي رحلة أعمق مما قد تتخيل أو تتصور، هي رحلة البحث عن الحقيقة، عن الله، عن الإيمان، عن معنى كل المعاني، رحلة مغلفة بالكثير من الأمل والحب.

انه ذلك الكتاب الذي ما ان تنطلق في قرائته، ستشعر انه لديك الكثير للقول عنه، لكن ما ان تنهيه، حتى تهرب كل الكلمات في وصفه، بل تشعر ان اي كلام لن يوفيه حقه، كتاب من نوع آخر، ليس في الكتاب نظريات عظيمة، ولا معلومات مبهرة، ولا طرق أو استدلالات جديدة، الكتاب فقط يحكي قصة إنسان، قصة د. نور التي وثقت تجربتها في التفكير في المرض، في الموت، وكل هذا جعلاها تعرف معنى الحياة الحقيقي، حيث ينطوي الكتاب في خانة كتب الطب السردي (يعني الطب الذي يُمارس مع التمتع بالقدرة على السرد ويتميز بفهم المواقف السردية المعقدة للغاية بين الأطباء والمرضى والزملاء والجمهور -ويكيبيديا-). 

ولتقديم الكتاب لم أجد اجمل من مقدمة د.وليد فتحي:

ترى.. هل كانت نور في مقتبل عمرها تدرك أن قصة وفاتها ستكون هي الغرض من حياتها؟

لماذا يجب عليك أن تقرأ قصة نور؟

لأن (نور) ستكشف لك حقيقتك التي غابت عنك طوال سنين،

في عالم مجنون، الكل فيه يركض في سباق محموم وراء المكاسب والماديات واتباع الشهوات كالحيوانات..

عالم تحولت فيه الوسائل لغايات وشاعت الدوافع التي هي أولـى بالتحري من الغايات..

(نور) جعلتني أسأل نفسي إن كنت حقا كما أدعي أنني أعمل لوجه الله حبا له، فلماذا إذن لم يصبح أحب الأعمال إلي، قيام الليل مناجاة وتقربا لمن أدعـي حبه سبحانه؟ وهل هناك للمحب غاية أسمى من التقرب والوصال؟

إذا أردت أن تكتشف نفسك لنفسك وتعري ذاتك لذاتك، قبل أن تكشف وتعرى في يوم حساب قريب على رؤوس الخلائق، فإن (نور) ستعينك إن شاء الله على ذلك.

يعتبر الكتاب تجميعية لمقالات متتابعة تأتينا في 120 صفحة، تحكي لنا د.نور حكايتها منذ اكتشافها لوجود السرطان حتى آخر ايامها، مرورا بالعمليات الجراحية، العلاج الكيماوي، الاشعاعي، الولادة بطفلتها الثانية مريم.

ذكرني الكتاب بكتاب آخر، القاسم المشترك بينهما أنهما من تأليف طبيب، أين يعرف هذا الأخير الكثير عن مرضه، بل أكثر مما يجب، وكيف يؤثر ذلك عليه وعلى قراراته وتعاملاته ما إن يتحول الى من يقوم بالتشخيص وإقناع المريض بطريقة معينة في العلاج، إلى مريض يتم إقناعه بخطة علاجية، ويتم جرّه لمفاهيم هو أصلا يعرفها ويعرف إلى أين تؤدي في النهاية. كتاب "اريد قدما أتكئ عليها" للدكتور أوليفر ساكس، والذي يحكي لنا هو الآخر تجربته بعد إصابته أثناء تسلقه إحدى الجبال.

الكتاب مليء بالحكمة والنور، وان أردت ان اقتبس جزء منه، فوجدت نفسي انجذب إلى الكثير منه إذا لم أقل كلّه، لكنني سأنشر هذا الاقتباس لأنه عنى لي الكثير:


 



ابتليت رحمها الله بالسرطان وهي حامل، آثرت ان تكمل حملها، وأن تلد طفلتها مريم وان تخضع للعلاج لآخر أيامها تقاوم المرض، كانت نور تبحث عن معنى لابتلاءها، وكانت تكتشف المعنى الدفين جراء مرضها، وكيف تجلت الحياة ما ان شارفت على فقدانها.
تخبرنا نور ان نظرتنا للأشياء هي كل شيء، حيث حولت نور بصيرتها الى عمق الاشياء، وراحت تحمد الله في كل خطوت تخطوها وتعرف المعنى للامتنان والحمد، وما الحقيقة المخفية خلف الابتلاء.

الكتاب يحوي الكثير من الرسائل للمرضى بالكثير من الأمل.
ورسائل للمحيطين بالمرضى بالكثير من القوة.
ورسائل لطلبة الطب والأطباء عن كيفية التعامل مع المرضى وذويهم.

تعمدت عدم الحديث عن فصول الكتاب، لأنه ليس كتابا للتلخيص بل هو كتاب يصلح فقط للقراءة كما هو.

للتحميل انقر هنا

رحمك الله يا نور وجعلك من أهل الفردوس الأعلى، واتمنى من كل قلبي ان كل من طفليك أحمد ومريم ان يكونا خير خلف لخير سلف، أما زوجك فأقدم له تعازي الخالصة ولو انها متأخرة بـ6 سنوات كاملة، إلا أنه مصاب جلل ان يفقد إنسانة مثلك، أما الوالد والوالدة فخير ما انجبى، وخير ما ربيى.

واللهم أجعلنا من الصالحين.


اقرأ أيضا

كيف نتجنب حالات الجمود الفكري و الابداعي - Creative Block

من كائن ليلي ، إلى كائن صباحي

الحزن القاتل الصامت| متلازمة القلب المكسور