حول العمل المستقل ؟؟

إن كنت مصمم حر ، وتعمل مستقلا ، فهذه التدوينة موجهة لك بالدرجة الأولى ..

للعمل المستقل كم هائل من الإيجابيات اذ نحن شكلنا من قدراتنا مجسما صحيح البنية ، قوي الهيئة في انسجام لا متناه  حينها سنحقق الكثير ، ليس فقط على الصعيد المهني بل الشخصي أيضا .... لأنه يتيح لك مساحة من  الحرية  و الابداع ، فأنت تختار عملائك بعناية ، و تهتم بجودة العمل لانك تصنع سمعتك الخاصة و تطرح اسمك في سوق العمل  بقوة من خلاله  .
ولكن له أيضا  كماكيم [ جمع كم ..] من السلبيات التي تفقدنا الوتيرة المتبعة في العديد المرات نتجية السقوط في شباك من المخاوف و الاصطدام بواقع العمل المرهق و المرير غير المنظم ..أضف إلى ذلك ، إشكالية الوطن العربي .. وحقيقة هذا انه لا وجود للعمل الحر عندنا ، بل محكوم عليه بالموت البطيئ من اليوم الأول ، انه مرعب .. مخيفة .. ، فبعد فترة وجيزة ستتهاوى نحو المجهول بل و تتعذب كل يوم في سلسلة مفرغة ،فأنت تحتاج صبرا عظيما .. وبرودة أعصاب ... لتتمكن من انتشال جثمانك من الكم الهائل من الانقاض التي ترمى على كاهلك أثناء عملك كمصمم مستقل ، رغم هذا .. فإني أتكهن بأنه سيجد مكانته قريبا ، على الاقل هذا ما تبشر به السوق الحالية .  حقيقة تفشي البطالة هي ما تجعلنا نفكر في ذلك ...  الشباب العربي سيأتيه يوم يفهم ان الوظائف الحكومية لا تستطيع احتضانه ولا تلبية رغباته ، وان الشركات  و المؤسسات الخاصة لا يدخلها الى من يخبئ تحته بنك او ان كان ابن وزير "باختصار غير ولد امو وسيدو "، فهنا عليه ان يبحث عن دخل له بطريقته الخاصة ..
هذه الفكرة قد تبدو ساذجة و بديهية لمن يعيش في اوروبا او امريكا ، فهم هناك يعيشون باستقلالية حيث انها اصبحت طريقة عيش ... استقلالية فكرية و أدبية ، إستقلالية فنية ، إستقلالية تمتد الى غاية التدريس ..
فنجد عندهم تنوع فكري بفضل استقلالية الفكر و الأدب ، متاحف منتشرة في كل المدن و رفع الذائقة الفنية لدى الشعب، بناء معماري خارجي وداخلي في قمة الجمال ، مدارس و معاهد متنوعة لدرجة انه لكل مادة معهد كامل متخصص في تخريج اجيال متمرسين جاهزين للعمل دون متاعب تذكر ، وليست هذه المعاهد حكومية تتبع المنهج المقرف الذي نراه عندنا بل هو منهج مميز يكون قد ابتكره مجلس التدريس القائم على المعهد ، فيولون إهتمام لتطور الحياة اليومية و احتياجات طلابهم المختلفة .. سيقول أغلبكم نحن نتحدث هنا عن مدارس خاصة غير مجانية ، و سأرد أنا بأنه هنا تكمن مشكلتنا ، لا يمكن لأي مواطن ان يتمكن من الدخول لمثل هذه المعاهد لو كانت عندنا ، لماذا ؟ لأن طبيعة عمل المواطن عندنا  تقتصر على مصروف شهري ، لا يتجاوز مصروفه في ان يتغدا و يتعشى 30 يوما فقط لا أكثر ..
هنا عدنا لنقطة البداية العمل الحكومي ، العمل الحكومي لا يأتي بفائدة ، و إن اعطى فائدة لفلان لانه ابن صاحب شركة (..) أو منح علان منصب شغل بضربة حظ ، فلن يوفر لك انت ، انت و أمثالك الـ 1000 تتخرجون من شعبتك و جامعتك في مدينتك و قم بحساب عدد الجامعات في كل أقطار الوطن وعدد طلابها السنوي، فأين يوظف كل هؤلاء ، و لا تنسى أن جدك أيضا مازل يزاول نفس المهنة و يشغل مكانا لدى الحكومة ، فجيل أجدادك ، و جيل أبائك ، وجيلك ... أين ستتمكن الحكومة في منح كل هؤلاء مناصب شغل دائمة ؟؟ ونحن على دراية متى نفكر في  كلمة تقاعد عندنا - مثلا التدريس - بعد 30 سنة وانت تزاول المهنة حتى يكون لك حق التقاعد او يخصم نصف المصروف ان تم ذلك قبل هذه المدة ، فهذه المدة الطويلة تجعل أجيال تتخرج كل سنة لا تجد لها مكان .. لأن جيل اجدادهم مازالوا يزاولون تلك المهنة بعد .. وينتظرون التقاعد ... و إلى ذلك الحين .. إنتظروا الفرج من عند المولى ..
 قد تجذرت في عقولنا فكرة التبعية ، و الروح الانهزامية ، التفكير في السبل الكلاسيكية و التي هي الطريقة المثلى الذي يفكر فيها الجميع ، العمل الحكومي الذي ينهي عناء تفكير الكثيرين ، فلماذا نحاول إنشاء الشركات و المقاولات و المصحات الطبية ، عمل لدى الحكومة ، بمصروف مضمون شهريا بدون خسائر مالية ولا فكرية .. وينتهي الامر .. لما المجازفة و محاولة مجارات الشركات  العتيدة ، أين نحن من هذا .. فقط عمل على قدري ،هكذا نتهكم على أنفسنا في فكرنا يوميا لأننا نرى أنفسنا بأحجام ضئيلة جدا ، كما عملت ثقافتنا على زرع هذه الافكار فينا من أيام وعينا الاولى ..

و إن تم تحقيق أمنيتك ، وقبلت في أحد المؤسسات الحكومية او حتى الخاصة ، ستجد ما ينتظرك لا يعجب إطلاقا ، أوامر متصاعدة من هنا وهناك ، لا تدخل ، لا تخرج ، اين الأوراق المطلوبة ؟يجب طباعة هذه الاوراق الـــ 300 و توزيعها ...، لا عطلة ، لا غداء،لا عشاء ....الخ . تعمل انت 8 ساعات في اليوم ، فتتقاضى ربع ما يتقاضاه فلان صديق صاحب الشركة و هو لا يظهر في مكان العمل الا مرة في العام كهلال العيد ، بل  يظهر هو و كثيرون أمثالهم فقط ايام رفع الرواتب و تكريم الموظفين و تبقى انت و الباقون أمثالك على نفس الحالة منذ دخولكم الشركة ..

على كل ، لست هنا لأغير من الواقع ، ولستم أنتم كذلك ، و لكنني متأكدة بأن أمورا كثيرة ستفرض نفسها في السنوات القادمة ..
والى ذلك الحين ، دعونا نفكر في من يزاولون حاليا هذه المهنة ، لأن هؤلاء هم الحلقة التي ستجعل من السلسلة تكتمل .. وبهم ستنتقل حياتنا من ديمومة التبعية الى الاستقلالية التامة..

لكن المشكلة التي تعترض طريق المصمم الحر حاليا ، هي عدم الاعتراف به كممتهن مهنة كغيره تماما ، بل تبقى مبنية على المكر و الخدام و قلة الاحترام التي يكنها العميل للمصمم ، فهو يراه ضئيلا بلا خبرة ، اتعلمون لماذا يراه كذلك ؟ لانه لا يحمل ذلك الكم الهائل من الشهادات ، و لا التكريمات ، و ليس ابن فلان صاحب البنك الفلاني ، ولا ابن علان صاحب المصنع الفلاني ..
كما انه هناك بعض الاشخاص الذين يدعون بأنهم مصممين ، وهم بعيدون كل البعد عنه ، فقط غايتهم النسخ و اللصق و النصب على العملاء ... و هذا يفسد رابطة الثقة ..
فكل هذا يجعل من الامور صعبة المراس ، و يفضل الكثيرون عدم خوض هذه المغامرة المريرة ..

رغم ذلك فإني ارى بانتشار العمل الحر ، سيبدأ الناس باستساغة الفكرة ، و ستظهر حماية حقوق الأعمال ، و سيبدأ العمل الحر يجد مكانته ، كما ستنسج علاقة العميل بالمصمم بسلاسة و تكون مبنية أكثر على الثقة و الاحترام بعد الاعتراف بها من طرف الجميع ..
والى ذلك الحين .. سنمضي في عدة مراحل ..
ستكون أولها : ان يكون العمل الحر مهنة من لا مهنة له " اللي يحك راسو يقول آني مصمم حر " كما نرى هته الايام .
ستليها عدة خسائر من الكثيرين اللذين اتخذوا من العمل الحر مهنة دائمة لهم ، خسائر مالية و كذلك نفسية و بدنية و نتائج صفرية مزرية .. وهذا جراء التهور و نقص الكفاءة
ليليها ربما وعي أكثر ، ومحاولة درس الخطوات بعناية قبل الدخول في غمار هذه المهنة الصعبة ..
كم سيطول هذا ؟.. الله أعلم ..

سأحاول خوض غمار مناقشة جملة من الاشكاليات حول العمل الحرعلى مستويات متفاوة من التعقيدات من أجل طرح حلول مناسبة لكل مستوى منها .. و سأعتبر هذه التدوينة مدخلا ، فما قلته هنا وجب ان يقال ، و وجبت ان تحدد بعض الامور التي قد لا نراها عادة مترابطة ، لكنها كذلك ، بل هي مترابطة لحد التعقيد الذي يجعلنا لا نراها مترابطة بتاتا ..

قد تكون الكلمات التي سأكتبها تنطبق على أي عامل حر، أو اي شخص آخر .. فقط وضعت في السطر الاول كتنويه أن التدوينة موجهة للمصمم الحر بدرجة أولى [ يعني هذا سبب كتابتي للتدوينة ] ولكن لا تقتصر الفائدة عليه فقط ..

اعتقد أني خلطت بما فيه الكفاية في هذه التدوينة ، فهي لن تحتمل أكثر ، و سأترك الباقي في تدوينات اخرى .. و اتمنى ان يكون كلامي في القادم أكثر دقة و تحديدا من الفوضى المرتمية في هذه التدوينة ..

الى ذلك الحين .. فليفكر كل واحد منا لماذا اتخذ منحى العمل المستقل ؟ و ما قدراته الشخصية التي تناسب هذا العمل ؟

اقرأ أيضا

كيف نتجنب حالات الجمود الفكري و الابداعي - Creative Block

من كائن ليلي ، إلى كائن صباحي

الحزن القاتل الصامت| متلازمة القلب المكسور