تقرير : فيلم هيبتا - المحاضرة الأخيرة

سأبدا تقريري هذه المرة ، ببعض المعلومات حول الفيلم .
صدرت رواية هيبتا في سنة 2014 للروائي المصري الشاب : محمد صادق لتتحول الى فيلم سنمائي و يتم عرضها لأول مرة في دور السينما المصرية بتاريخ 20 أفريل 2016 من إخراج هادي الباجوري و محمد زهران ، بينما كتب سيناريو الفيلم ، الكاتب وائل حمدي .


يأخذنا الفيلم الى قاعة محاضرات أين كان الأستاذ شكري يلقي محاضرته : هيبتا - المحاضرة الأخيرة .
في البداية يخبرنا الأستاذ شكري عن سبب إختياره لهذا الاسم ، فيقول أن هيبتا يعني باليوناني سبعة ، و هو في هذه المحاضرة سيحدثنا عن مراحل الحب السبعة التي تمر بها أي علاقة حب بين طرفين .
فتبدأ أحداث الفيلم تأخذنا لعوالم 4 شخصيات مختلفة ، و تحكي لنا مراحل وقوعهم في الحب ، كيف بدأ ، و كيف انتهت العلاقة ، و الاسباب التي جعلت البداية و النهاية ..

الشخصيات :
شادي طفل صغير لا يتجاوز 8 سنوات و الذي يحب زميلته في المدرسة .
كريم ، مراهق في المشفى يعاني من ورم ، و ينتظر موعد إجراء العملية ، ظروف المشفى و وحدته فيها تجعله يفكر بجدية بعلاقته بزميلته و صديقة طفولته ، فيعترف بحبه لها في احدى الايام لتبدأ العلاقة .
رامي رسام شاب في مقتبل العمر ، يلتقي بفتاة أحلامه في احدى الجلسات مع أصدقائه .
أما يوسف فهو الشخصية الناضجة بين الأربع شخصيات ، و الذي يعاني من الاكتئاب ، حيث نراه يحاول التنصل من صديقته التي لا تتوقف عن اخباره أنها تحبه و أنها ستقف معه و سيتجاوزان مشاكلهما ، لكن لا يبدي يوسف اي اهتمام بها .. لتنتهي علاقته بها .
لا أريد حرق الأحداث ، لأترك أن يكتشف ما تمر به كل شخصية  لمن يريد مشاهدة الفيلم .

فمن خلال هاته الشخصيات نعرف ماذا أراد لنا محمد صادق أن نعرف عن الحب ، عندما كتب روايته هيبتا ، حيث نرى تعامل كل واحد فيهم مع علاقته ، و تطورها في ظل الظروف الذي يعيش فيها .

و لأن روايات  الحب و أفلامه، صارت مستهلكة تنحصر جلّها في تمثيل الحب بعالم وردي لا واقعية فيه ، او بطريقة تراجيدية ايضا بلا واقعية ..
لكن ما يختلف في هاته الرواية او الفيلم ، أنها تجاوزت الحديث عن الحب من الناحية الكلاسيكية ، فانتقل بنا الروائي محمد صادق ، من تصوير علاقات الحب كأمر مسلم ننتظر تطور الشخصيات كمشاهدين ، الى كيف تمضي بنا علاقة الحب ، و كيف يتشكل الحب و ما الذي يهدد هذه العلاقة التي تمر بمرحلة القوة الى الانهيار بشكل تحليلي لا تصويري فقط ، فهو ضمن كل هذا يطرح المشكل و الحل .
المراحل السبعة هي كالتالي :
البداية - اللقاء - العلاقة - الادراك - الحقيقة - القرار - هيبتا او النهاية .
المراحل التي ذكرها الكاتب كانت جدا موفقة  و منطقية ، فهو يقوم بتحليل مراحل الحب ، فيخبرنا ، أن في البداية يشعر الانسان انه في حاجة لذلك الحب ، في حاجة لأن يحب و ينحب و أن يجد الشخص الذي يشعره أنه مميز ، بعدها يتم اللقاء مع ذلك الشخص الذي يجمع صفات المحبوب ، فتبدأ العلاقة ، بعد عدة لقاءات ، يحاول فيها احد الطرفين ان يستميل الطرف الآخر بأكثر الأفكار جنونية  لتبدأ العلاقة ، و هنا تأخذ الأمور دهاليز أخرى لم لكن يعلم الطرفين عنها شيئا ، و هي حين يدرك الطرفين ماهية الحب بشكل حقيقي ليس كما تصوره الكليبات الرومنسية ، و أن هاته العلاقة تحتاج الى التزامات و استيعاب للطرف الآخر و بهذا تنزلق العلاقة حيّز الحقيقة ، و هي أصعب مرحلة تمرّ بها العلاقة و هي ايضا المرحل التي تحدد أن هذا الحب يمكن انه يكتمل ، او أن به فجوة يمكن سدّها أم أنها فجوة بالغة الاتساع تضطر الطرفين للتخلي عن العلاقة .
الصعوبات هي كالآتي : الامتلاك - عدم التقدير - الاحتياج - الغيرة والشك  - التطبيع - الملل.
في هذه المرحلة بشعر كل طرف أنه يمتلك الطرف الآخر ، فتبدأ العلاقة تاخذ منحى الأمر و النهي ، لا تفعل كذا ، لا تخرج مع فلان ، لا تتكلمي مع فلان ...الخ ، و هنا يشعر كل طرف منهم بعدم التقدير ، و أن الطرف الآخر لا يستشعر احتياجاته لتكوين علاقات اجتماعية مختلفة في الجامعة ، في مكان العمل أو في الحي ، و أنه كشخص ليس حكرا عليه فقط ، و مع محاولات الطرفين ايصال هذه الفكرة للطرف الآخر تبدأ الغيرة و الشك ، و التي تحدث انفجارات عديدة في شخصية الطرفين و يبدأ كل طرف يعاني من جروح تسببها كلمات قاسية ..
في خضم تحسين العلاقة ، و حقيقة ان هذا الطرف سيكون شريك حياة ، يبدأ الطرف الآخر في إقناعه بأمور يراها ضرورية في الحياة ، بينما يراها الطرف الآخر غير ضرورية ..
حقيقة ، هذا الجزء أعجبني جدا ، خاصة كيف صور علاقة رامي بحبيبته ، فلأن رامي رسام ، و هي قد اعجبت به لأنه إنسان مختلف يرى الأمور من بعد آخر ، تحاول هي إقناعه أن يجد عمل بمرتب محترم يضمن به إعالة أسرى .. رامي يحب حياته كما هي ، و السبب الذي جعل حبيبته تعجب به هو ذات السبب الذي جعل علاقاتهما تدخل منحى التهديد أنها أرادت قولبته بالطريقة التي تراها هي مناسبة ..
في هذا الموضوع ، سأكتفي بأمرين مهمين و سأنتقل بعدها لإكمال التقرير .
أولا : أحيانا ذات الصفات التي تجعلنا نعجب بأشخاص هي ذاتها الصفات التي تجعلنا نبتعد عنهم . و هذه حقيقة ، علينا النظر فيها بعمق .
ثانيا : حقيقة أن الطرف الآخر ، و على الرغم من أنه شريك حياة ، إلا أنه شخص ، يعني كيان مستقل له مميزاته ، له أفكاره و قناعاته الخاصة ، و احترام هذا الشخص بأفكاره ، و عاداته و قناعاته ، ستتطلب وقت لتألفها ، لكن عليك أن تألفها ، وليس من الممكن أبدا أن تقولبه في القالب الذي انت ترغب فيه ، فمهما كانت العلاقة كبيرة و الحب كان عظيما ، على الطرفين ان يبقيا على مسافة الأمان بينهما ، ليستشعر كل واحد منهما حريته ، و انفتاحه للحياة ، و أن هذه العلاقة لم تسلبه حريته التي كان يتمتع بها قبل الدخول في هذه العلاقة .

لأننا في إطار علاقة عاطفية ، أنت ملزم لمّا أحتاج لك ، تجد حل لمشكلتي في الحال و مهما كانت السبل لتثبت لي كم أنت تحبني و تهتم بي ، هذا الالزام الذي يضعه كلا الطرفين يجعل من سير العلاقة تأخذ منحى صعب تحقيقه على الطرف الآخر ، لتبدأ المشاكل نفسها تعاد كل يوم ، فقط بسيناريو تتغير فيه الشخصيات المشاركة في الحدث ، فتدخل العلاقة مرحلة الملل .. حيث يشعر الطرفين بفتور في العلاقة ، و أن هذا المحبوب الذي كان سيجن في يوم من الأيام على أن يلتقي به و يحادثه لبضع دقائق ، هاهو يجلس معه لساعة ، و لا يجدان موضوعا واحدا يستحدثان فيه.
مع محاولة سير العلاقة ، و محاولة الطرفين التغاضي أحيانا عن المشاكل التي تنبت لهم كل يوم ، تأتي مرحلة القرار ، التي تحمل سؤال مهم " هل هذه العلاقة يمكن لها أن تنجح ؟ "

نرى في الفيلم نهاية العلاقة في 3 شخصيات ، بينما تنجح علاقة شخصية واحدة ، و هي شخصية يوسف و الذي اخبرتكم فيما سبق أنه الشخصية الأنضج بين 4 شخصيات ، لكن كيف استطاع يوسف ان ينقذ علاقته ، على الرغم من انه مر بكل هاته الصعوبات ؟

استطاع ذلك ، لأنه و أروى "حبيبته " شعرا بأن ما يهدد علاقتهم أصغر بكثير من الحياة الكبيرة و الحب العظيم الذي يريدانه ، كما ساعدتهما تجارب سابقة ، ذلك لأن كلا الطرفين مرّا بعلاقة حب ، و خطبة و زواج ثم طلاق ، و على الرغم من أن الحبيب السابق ايضا كان في ذلك الوقت شخص مميز و شريك حياة رائع ، لكن العلاقة انتهت ، لأنهما تركا الفجوة تكبر و تزيد ، و حدة التملك و خنق العلاقة بالالتزام المفروض من الطرفين ، هو ما جعلها طبعا تنتهي .. فنجاح العلاقة ، هو طبعا في يد الطرفين ، إما أن ينقذاها أو يتركاها تسوء و تسوء حتى تصير لا تطاق .

 يمنحنا الكاتب قيمة كبيرة ، و هي أن ثمن الحب باهض و سيتقسط على كل دقيقة من عمرنا ..

اعتقد أن ما كتبته فوق كلام مهم ، خاصة لأولئك المقبلين على علاقة عاطفية ..
أما الآن فسأبدأ في نقد الفيلم ،  الفيلم لا يختلف عن الرواية في شيء ، هكذا أجمع القرّاء و لأنني لم أستطيع على تجاوز الصفحات الاولى من الرواية كلما شرعت في قراءتها لأني لم استطع المتابعة لأنها كتبت بأسلوب ركيك جدا ، مليئ بالعامية المصرية و أنا صراحة لا أستطيع قراءت كتاب بالعامية ، لذلك سأكتفي بالفيلم و لن اعود لقراءة الرواية لأن الفكرة واضحة ، وقد وضحها الفيلم بشكل جميل ، لا داعي لإضاعة الوقت ، بل على العكس هناك من النقاد الذين قالوا ، أن فيلم هيبتا تفوق على الرواية بمراحل :
السرد أخذ نصيب الأسد في الفيلم ، لأنه فيلم بلا حبكة حقيقية، ذلك لأن الفلسفة التي اريد ايصالها في العمل ، تتطلب السرد و تحليل الأحداث ، و بفضل التمثيل الرائع للممثل ماجد الكدواني في دور شكري المختار الأستاذ المحاضر الذي كان يتميز بالثقة و الثبات ، ما جعل تقبل السرد للمشاهد كبير ، أما مراحل اختيار فصل القصص 4 بسرد الاستاذ شكري ، أعتقد انه أمر صعب إلا أن كاتب السناريو وائل حمدي قد نجح فيه .
التثميل ، التصوير ، كانا جيدان الى حدّ ما ، ايضا الموسيقى كانت في محلها ، خاصة أغنية الفيلم من أداء الفنانة دنيا سيمر غانم التي أعطى صوتها الرقيق احساس جميل .

لم يعجبني الفيلم في تسطيح الشخصيات ، أخذ كل شخصية بشكل مقصف جدا ، كما جعل الاسباب في كثير من الاحيان غير مفهومة و غير ملائمة للشخصية ، هذا يوضح أمر واحد ، هو أن كاتب الرواية كان عاجز عن خلق عالم يضم الأربع شخصيات بواقعية كل واحد منها ليوضح الأسباب وراء كل تصرف منه ، في نظري الخاص ، لو جعل روايته أطول و حاول خلق واقعية في الشخصيات كان ذلك سيكون أفضل ، بعض التصرفات المجنونة غير المقبولة في واقعنا العربية ، الذي جعل الكاتب  منها أمر عادي في الرواية و هو أمر لم استطع بلعه حقيقة، خاصة انه تم تصوير شخصية يوسف في حي بسيط ، جعل تقبل فكرة طريقة لقاءه برؤى ووقوعه في حبها من أوّل نظرة غير واقعي فيه الكثير من الوردية التي لا تشبه العالم الحقيقي في شيء ..
باختصار كان بناء الشخصيات ضعيف ، تشعر ان الكاتب من كان يدور الأحداث على حسب هواه و ليس الشخصيات من تتحكم في قدرها ، فقد أدار احداث الحكاية على حسب ما تتطلبه الفلسفة التي يريد إيصالها ، لكن هذا كان أمر سلبي جدا  ..

في الأخير ، الفلسفة التي طرحها الكاتب محمد صادق مهمة ، لكنها لا تستحق الضجة الاعلامية الكبيرة التي احدثتها الرواية ، فالفجوات في الأحداث خلقت سلبية كبيرة في مفهوم العمل ، رغم جمال الفيلم الا انه  صراحة لا يستحق المشاهدة  لان فيه من السطحية ما يجعله ضعيف حقيقة ، يمكن الاكتفاء بقراءت هذا التقرير خاصة و أنني فصلت فيه عن فلسفة مراحل الحب و مشاكله ..

اقرأ أيضا

من كائن ليلي ، إلى كائن صباحي

الحزن القاتل الصامت| متلازمة القلب المكسور

رحالة رقميون حيث العالم مكان عملهم