قرائتي في سطور رواية " في بلد الأشياء الأخيرة " للكاتب بول أوستر

 
http://www.ikewrites.com/wp-content/uploads/2013/02/paul_auster2.jpgبعد قراءتي لبعض الصفحات لرواية " في بلد الأشياء الأخيرة  " لـــبول اوستر ،
بول اوستر أديب فذ ، أسلوبه رائع ، وصفه دقيق ، مغزى ما يكتبه عميق .. بول كاتب كبير .. لماذا لا ينال شهرة كشهرة الباقين ؟؟
هذه الرواية تعد وصفا عبقريا ، لما تخيله الكاتب ، لما ستؤول إليه أحوالنا نحن البشر إذا زالت كل النواميس و المبادئ التي نعيش بها ، سيعم الفساد و تسْوَد الأيام ،و يتدنى مستوى البشرية جمعاء ،الى حضيض لم تعرفه قط من قبل ، فيصير الشغل الشاغل لجميع العقول  البحث عن أي وسيلة حتى تعيش ليوم آخر ، أن تجد ما يسد المعدة تلك الحفرة معدومة القعر كما وصفها الكاتب ، و أن تختبئ من العصابات و القتلة المنتشرين في الأرجاء ، كما يجب الإحتماء من البرد اللافح حتى ولو كان ذلك ببعض الجرائد ! فمعظم البشر في هذه البلاد مشردون بلا مأوى .. بول يكتب كل هذا على لسان آنا ، تلك المرأة التي ذهبت هناك بحثا عن وليم أخيها الصحفي المفقود في بلاد الأشياء الأخيرة ، تعتبر الرواية كرسالة مطولة تكتبها آنا لصديق لها يقطن في الشق الآخر من العالم ، أين كانت تقطن هي ، فهو لا يعلم شيئا عن وجود هكذا بلد في عالمه الصغير ..

ما حيرني فعلا ، لماذا الكل مصر على البقاء ، يقاتلون من أجل أن يعيشوا في هذا البلد يوما آخر فما يزيدهم ذلك سوى الألم ، الخوف ، و كآبة فظيعة ، بينما يبدو الموت خيارا سهلا جدا هناك بل الخيار الأنسب ، لماذا فئة قليلة من تبحث عن هذا الحل ، في عيادات القتل الرحيم أو عند إستئجار قاتل .. لكن عمق الرواية يصل إلى أن يوضح أنه كلما شعرنا بفقداننا للحياة ، و كلما كان الشعور أعمق ملامسا للواقع ، خشينا أكثر منه ، محاولين عكس القدر الذي يلاحقنا بتشبثنا بخيوط الحياة ..فغريزتنا البشرية تحتم علينا مقت كل ماهو مفروض علينا ..
 الكل في هذه البلاد ، يعرف أنه لا أمل في أن تعود الحياة كما هي عليه ، و أنه لا مجال ليعيشوا كما يحلمون ، رغم أنهم يعون ذلك جيدا ، إلا أنهم مستمرون في الكفاح من أجل يوم آخر ..

أين يمكن أن تنحدر له أخلاق البشر ، و أي قاع سنلامس في حالة ما إذا هوينا نحو الأسفل .. كلها تساؤلات و إشكاليات تطرح من خلال هذه الرواية ، كما ستجد بعض الإجابات أيضا في ثنايا أحداثها ..

غمامة سوداء تحيط بي ، منذ بداية قرائتي لهذه الرواية التي لم انهها بعد كما أخبرتكم من البداية ، الرواية كئيبة لحد ما ، ليست محزنة ، بل كئيبة تجعلك تتخيل ما تقرأه باللون الأسود الفحمي ، فقد أبدع الكاتب العبقري بول أوستر في توصيل كل التفاصيل بدقة لا متناهية ، و عندما ترفع رأسك و تجد نفسك مازلت في مكانك لكن عيناك مازالتا تريان ما حولك أسود فحمي ..

حقيقة ، سأتوقف عن قراءت هذه الرواية على الأقل الآن ، فلست بحاجة لخيبة أمل و لا لكآبة أكثر مما أنا عليه ، لكنني سأعود لقراءتها يوما ، ذلك لأن أسلوب الكاتب أبهرني ، بل أنني قد وقعت في حب أسلوبه الأدبي الراقي ، وفكره العميق ..
 فرواية " في بلد الأشياء الأخيرة " رواية عميقة جدا جسّدت براعة الكاتب .. 

اقرأ أيضا

كيف نتجنب حالات الجمود الفكري و الابداعي - Creative Block

من كائن ليلي ، إلى كائن صباحي

الحزن القاتل الصامت| متلازمة القلب المكسور